خير الدين باشا

اشتهر خير الدين بين الناس بأكثر من اسم واحد منهم خير الدين التونسي وخير الدين باشا وزير عثماني مصلح متنور أتى إلى تونس من اسطنبول في سن مبكرة، وتميز ب حبه وإيمانه بضرورة التجديد والإصلاح، الأمر الذي أهله ليكون من أبرز رجال الدولة العثمانية في تونس، حتى أن البعض أطلق عليها لقب أبو النهضة التونسية.

ظهور خير الدين باشا

ولد خير الدين باشا في قرية بجبال القوقاز عام 1820 م، وعبد المملوك، من قبائل البلد الشركسي، قبيلة الأباظة الواقعة جنوب غرب جبال القوقاز.

توفي والد خير الدين في معركة دارت بين العثمانيين وروسيا، وبعدها تم أسره بغارة وبيع في سوق العبيد باسطنبول، وفي ذلك الوقت نشأ في منزل تحسين بك، الذي كان نقيب المشرف.

انتقل خير الدين بعد ذلك من منزل إلى آخر حتى انتهى به المطاف في قصر باي تونس عندما اشتراه رجال الباي من سيده. تم إحضاره إلى تونس وعمره 17 عامًا وأصبح مملوكًا لأحمد باشا بك، الذي أولى اهتمامًا كبيرًا وحرصًا على تربيته وتعليمه. مكنته من أن يصبح ذكيًا وذكيًا للغاية، إلا أنه نشأ كعبد ممسوس تحت سيده.

تميز خير الدين بالاستخبارات، مما دفعه إلى تعلم المهارات السياسية والعسكرية والتاريخية، حتى تم تعيينه مشرفاً على مكتب علوم الحرب، وقد أثبت جدارته في هذا المنصب وفاز بالراتب العسكرية، الذي جعل أحمد بك جوليان أمير لواء الفرسان عام 1849 م.

أدرجه في المناصب

سافر خير الدين إلى باريس عام 1853 م، بتكليف من أحمد الباي لمقاضاة الملتزم الضريبي السابق محمود بن عياد، الذي اختلس وسرق الكثير من أموال الدولة، ثم فر إلى فرنسا.

مكث خير الدين في فرنسا حوالي 4 سنوات وحصل على الجنسية الفرنسية هناك. خلال هذه الفترة تمكن من استرداد 24 مليون فرنك وإعادتها إلى خزينة الدولة.

عاد خير الدين إلى تونس مرة أخرى، وفي ذلك الوقت عين وزيراً للبحر لمحمد بك الذي خلف ابن عمه الباي بعد وفاته وكان ذلك عام 1857 م.

كان خير الدين من الشخصيات التي أحبت الإصلاح ودعمته، مما جعله يساند محمد الباي عندما أصدر ميثاق أمان الذي كفل حق المساواة لجميع سكان تونس دون أي تمييز بينهم. كما أيد الصادق بك ودعمه عندما أصدر الدستور في 29 يناير 1861 م بعد أن خلف أخيه محمد البايي، وبناء عليه تم إنشاء مجلس استشاري من 60 عضوا. سمي المجلس بالأكبر وعين خير الدين رئيسا له.

خير الدين يستقيل من منصبه

شغل خير الدين عدة مناصب، لكنه قدم استقالته من جميع مناصبه عام 1862 م نتيجة سوء تصرف المسؤولين وسرقاتهم للبلاد، حيث نشأ خلاف بينه وبين الوزير مصطفى الخازندار بسبب خير العبد الله. – رفض الدين لممارسات وزير المالية فيما يتعلق بمسألة تكليف الأوروبيين.

ورغم استقالته من مناصبه، سافر إلى أوروبا واسطنبول وكان يحضر اجتماعات المجلس الخاص، حيث كان الباي يستشيره في بعض الأمور المهمة المتعلقة بشؤون البلاد.

استمرت فترة غيابه عن العمل 7 سنوات من الفترة ما بين 1862 م إلى 1869 م، وخلال هذه الفترة عاش في شبه عزلة عن الجميع في الفترة ما بين 1865 و 1869 م، وتم عزله في حديقته من أجل التأمل والكتابة، وكان أثر ذلك كتابه الشهير “أصنع السبل في معرفة أحوال الممالك” وقد طبع في الصحف الرسمية في تونس عام 1868 م.

خير الدين يعود للوزارة

تدهورت الأوضاع المالية في تونس نتيجة سياستها المعيبة وغير المدروسة، مما أدى إلى إفلاسها وتراكم الديون عليها. فرض الدائنون الأوروبيون لجنة الرقابة المالية عام 1869 م، وعُين خير الدين رئيساً لها.

عين في منصب الوزير المباشر عام 1871 م، ثم تولى منصب الوزير الأول بعد عامين من توليه منصب الوزير المباشر، خلفًا لمصطفى خزندار الذي أدين باختلاس أموال الدولة.

استمرت فترة وزارة خير الدين قرابة 4 سنوات ارتقى خلالها إلى البلاد وأحيا فيها روحا جديدة وأصلح الكثير من شؤونها.

إصلاحات خير الدين باشا

أجرى خير الدين العديد من الإصلاحات في تونس، وكانت رحلته إلى فرنسا بداية التحول في حياته. مكنته هذه الرحلة من اكتشاف العالم الغربي ومؤسساته عن كثب، والتي تضمنت مجالات الإدارة والتعليم والاقتصاد، ومن أهمها ما يلي: –

  • قام بتحسين وادي الوادي وتنظيم إدارة الوزارة.
  • أنشأ معمل البواخر للسفن، وعزز شبكة الطرق لربط مختلف مناطق تونس.
  • سن العديد من التشريعات التي تخدم الإصلاح والتطوير.
  • أصلح الزي البحري وأبرم عدة اتفاقيات مع الأجانب بهدف الحفاظ على الأراضي التونسية.
  • قاوم الطغيان وضمن تطبيق العدالة.
  • شارك في صياغة قوانين مجلس الشورى الذي تولى الرئاسة عام 1861 م
  • ألغى الضرائب السابقة التي تراكمت على الناس مما أدى إلى تراكم الديون عليهم وعدم قدرتهم على سدادها.
  • حث الناس على زراعة الزيتون والنخيل، وتنازل عن الضرائب على الأراضي الزراعية لمدة عشرين عاما.
  • أعاد تنظيم ضرائب الاستيراد والتصدير، فحدد ضريبة الاستيراد بنسبة 5٪ فقط، وخفض ضريبة الصادرات، ورفع الواردات، وأقام بؤر استيطانية لمنع التهريب.
  • ألغى الحملات العسكرية التي كانت تجمع الضرائب من القبائل البدوية التي رفضت دفع الضرائب إلا بالقوة، وكان سبب الإلغاء أنها كانت تكلف أموالاً باهظة.
  • نشر الوعي بين الناس والعمل على النهوض بالتربية، فأسس مدرسة الصادقية على صلة ببيك محمد الصادق الذي كان يحكم تونس في ذلك الوقت، والتي تأسست بأسلوب حديث تتوافر فيه العلوم العربية والقانونية والحديثة. يتم تدريس الثقافة، وكذلك تدريس اللغات الفرنسية والإيطالية والتركية، وكذلك الرياضيات والطبيعة وعلم الاجتماع لمختلف الفصول.
  • استعين بالعديد من العلماء لإعادة تنظيم الدراسة والتعليم في مسجد الزيتونة، وأبدى عناية كبيرة بتنظيم دروسه وتعديل برامجه.
  • قام بإنشاء مكتبة جديدة تسمى مكتبة العبدلي، والتي تم بناؤها على طراز المكتبات الحديثة وتضمنت العديد من المخطوطات ونظمها بطريقة حديثة.
  • شجع على الطباعة وجلب بعض المصريين واللبنانيين للعمل عليها.
  • تطوير الصحافة وإدخال فنون جديدة إليها.
  • أعاد الدور الديني والاجتماعي للأوقاف، ولهذا الغرض أسس جمعية الأوقاف وتولى رئاسة الأوقاف لمحمد بيرم الخامس.

ركائز حركة الإصلاح التي قام بها خير الدين باشا

وبحسب خير الدين فإن حركة الإصلاح ارتكزت على ركيزتين أساسيتين هما:

  • الركن الأول: ضرورة التجديد والنضال في الشريعة الإسلامية، وفق أحوال العصر وأوضاع المسلمين، ووفقًا لمبادئ الشريعة الإسلامية.
  • الركيزة الثانية: ضرورة تبني أسباب التحضر في أوروبا لأنها السبيل للنهوض بالبلد.

خير الدين الصدر الاعظم

على الرغم من الإصلاحات العديدة التي قام بها خير الدين، إلا أنه لم يبق كثيرًا في منصبه الأخير، حيث انقلب الباي ضده تحت تأثير بعض المقربين منه، مما دفع خير الدين إلى الاستقالة، وكان ذلك على 21 يوليو 1877 م.

بعد تقديم استقالته، عاش خير الدين بعيدًا عن الحياة العامة في قصره حتى طلب السلطان العثماني عبد الحميد الثاني، للاستفادة من جهوده الإصلاحية.

هنا انتقل خير الدين إلى اسطنبول عام 1878 م، وهناك كلف برئاسة لجنة مكلفة بمراجعة الوضع المالي للدولة العثمانية، وفي 4 ديسمبر 1878 م عينه السلطان عبد الحميد الثاني القائد الأعظم. .

خلال هذه الأوقات هاجم الأعداء الإمبراطورية العثمانية وهزموا ضد روسيا. إلا أن خير الدين استطاع بجهوده ومهارته إجلاء الجيوش الروسية، كما ساهم في إطاحة الخديوي إسماعيل من ولاية مصر، لأن سياسته كانت تضعف ارتباط مصر بالدولة العثمانية، مما يجعلها عرضة للطموحات الأوروبية.

استندت سياسة خير الدين على توطيد الروابط بين الدولة العثمانية ودولتها، وعندما فشل في إقناع السلطان عبد الحميد بإصلاح نظام الحكم قدم استقالته من منصبه في 28 يوليو 1879 م، ولكن وظل على اتصال ببلاط السلطان وأصبح عضوا في مجلس الأعيان حتى وفاته في 8 جمادى الثانية 1307 هـ الموافق 30 يناير 1890 م.

كتابات خير الدين باشا

كان خير الدين مفكرًا إصلاحيًا إلى جانب فطنته السياسية والحرب، حيث كتب أفكاره في كتاب بعنوان “أقوم بمسارات في معرفة أحوال الممالك”، والذي وصفه المستشرق الألماني والرحالة المعروف هاينريش. فون مالتازان خلال زيارته لتونس أهم ما كتب في الشرق في عصرنا.

وأشار خير الدين في هذا الكتاب إلى أنه “لا بأس في الدول العربية الإسلامية من الاقتراض من الغرب ودخول عالم الحداثة مع التمسك بمبادئ الدين الإسلامي الصحيح، لأن التقدم وحب الخير للجماعة. والدعوة إلى العقل من أصول الإسلام التي لا تتعارض معه ولأن الإسلام في نظره يقوم على الإيمان والعقل معًا.

تم تقسيم الكتاب إلى قسمين على النحو التالي:

1- الجزء الأول

يتضمن هذا الجزء 20 فصلاً، كل منها مخصص لدولة أوروبية. تحتوي الفصول على عدة فصول تسرد تاريخ البلاد وجغرافيتها وموقعها ومساحتها وأهم ملوكها وتنظيماتها الإدارية والعسكرية والسياسية.

2- الجزء الثاني

يتضمن 6 فصول، خمسة فصول منها مخصصة لجغرافية القارات الخمس، بينما الفصل السادس مخصص للبحار.

أهم ما يميز هذا الكتاب هو مقدمته الطويلة التي قد تكون مهتمة، والتي تضمنت ملخصاً لتجربة خير الدين، والتي استندت إلى مقاومة أوروبا، والالتزام بالرابطة الإسلامية، ومحاولة إصلاح الإسلاميين المختلفين. ينص على تقديمه، وترجمت أهمية هذه المقدمة إلى الفرنسية بعد وقت قصير من نشر الكتاب.

وفاة خير الدين باشا

توفي خير الدين باشا في اسطنبول عام 1890، ودفن في مسجد أيوب، وفي عام 1968 نُقلت رفاته إلى تونس ودفن في مقبرة الجلاز.

وطُبعت صورة خير الدين باشا على ورقة نقدية من فئة عشرين ديناراً، وأصدر البريد التونسي عدة طوابع تحمل صورته.

من هنا نكون قد وصلنا إلى نهاية المقال بعد الاطلاع على أهم المعلومات عن خير الدين باشا التونسي وأهم إصلاحات خير الدين باشا. نأمل أن تحقق المقالة الفائدة المرجوة منها، وننصحك بمشاركتها على مواقع التواصل الاجتماعي، حتى تعود بالفائدة على الجميع.